البيانات الضخمة في التأمين محرك رئيسي للنمو المستقبلي
مقدمة
في عالم التأمين الحديث، أصبح مصطلح "البيانات الضخمة" أحد الركائز الأساسية التي لا غنى عنها في تطوير وتحسين الخدمات التأمينية. و في ظل التقدم التكنولوجي السريع الذي يشهده العصر الحالي، أصبحت شركات التأمين قادرة على جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات من مصادر متعددة مثل المعاملات اليومية، السجلات الطبية، النشاطات الرقمية، وحتى بيانات مواقع التواصل الاجتماعي. و توفر هذه البيانات رؤى عميقة تمكّن شركات التأمين من اتخاذ قرارات أكثر دقة وتقديم بيانات أكثر تخصيصاً لتلبية احتياجات العملاء بشكل أفضل.
و يعتبر استخدام البيانات الضخمة في التأمين بمثابة ثورة حقيقية في كيفية تصميم المنتجات التأمينية، وتقييم المخاطر، وتحديد الأسعار، وكذلك في تحسين تجربة العملاء. إذ يتيح تحليل هذه البيانات فهم أعمق لأنماط سلوك العملاء وتوقع احتياجاتهم المستقبلية. كما أن البيانات الضخمة تساهم في تعزيز قدرة الشركات على التنبؤ بالمخاطر بشكل أكثر دقة، مما يؤدي إلى تحسين إدارة المخاطر وتقليل التكاليف التشغيلية. فمن خلال استخدام أدوات التحليل المتقدمة والذكاء الاصطناعي، يمكن لشركات التأمين تحديد المخاطر المحتملة بدقة أكبر، مما يسمح لها بتقديم حلول أكثر تخصصًا وبأسعار تنافسية.
من جهة أخرى، تلعب البيانات الضخمة دوراً محورياً في تمكين شركات التأمين من تقديم خدمة عملاء مبتكرة. من خلال تحليل سلوك العملاء على منصات الإنترنت، يمكن لشركات التأمين تقديم عروض مخصصة وتنبيهات فورية تتماشى مع احتياجات كل عميل على حدة. هذا التوجه لا يساعد فقط في تحسين تجربة العملاء، بل يعزز أيضاً من ولائهم ويزيد من رضاهم.
ومع هذه الفرص الكبيرة التي تتيحها البيانات الضخمة، يواجه قطاع التأمين تحديات تتعلق بحماية الخصوصية وأمن البيانات، إذ يجب على شركات التأمين الالتزام بمعايير صارمة لحماية بيانات العملاء. إلا أن الحلول التكنولوجية الحديثة تدعم القدرة على تجاوز هذه العقبات بشكل آمن وفعال، مع توفير إطار قانوني يضمن حماية البيانات الشخصية.
في النهاية، يُعد الاستثمار في البيانات الضخمة عاملاً حاسماً لتمكين شركات التأمين من النمو في المستقبل، حيث يُمكنها من تكييف استراتيجياتها بشكل مرن يتماشى مع التغيرات السريعة في السوق، مما يضمن لها ميزة تنافسية قوية في بيئة أعمال متسارعة التغير.
البيانات الضخمة في التأمين
تتكون البيانات الضخمة في التأمين من مجموعات ضخمة ومعقدة من البيانات التي يصعب على الأفراد معالجتها باستخدام الطرق التقليدية . و غالباً ما تكون هذه البيانات غير منظمة وتتضمن معلومات من مصادر متعددة تشمل العملاء، و سجلات المطالبات، و بيانات الحوادث، وسجلات الأطباء، وأجهزة تتبع صحة و أنشطة العملاء، وغيرها من المصادر التي تجمعها شركات التأمين.
و مع تراكم بيانات آلاف العملاء على مدار سنوات عديدة، تصبح هذه البيانات ضخمة جداً بحيث يصعب تحليلها وفهمها دون استخدام تقنيات التحليل المتقدمة. وعلاوة على ذلك، تتطلب عملية الوصول إلى هذه البيانات والاستفادة منها تعاوناً بين العديد من الأطراف المعنية مثل المكتتبين، المحاسبين، الوسطاء و غيرهم، والعديد من الإدارات الأخرى، حيث يتم استخدام هذه البيانات وفقاً لوظائفهم المختلفة خلال دورة حياة الوثيقة.
ولكي تتمكن شركات التأمين من الاستفادة القصوى من بياناتها الضخمة، يجب أن تمتلك القدرة على تخزين هذه البيانات بشكل غير منعزل عن بعضها البعض. مما يعني تجنب تخزين البيانات في أنظمة أو قواعد بيانات منفصلة؛ حيث أن جمع البيانات ضمن حل موحد يوفر فرصاً أكبر للتحليل واستخلاص الرؤى المفيدة من خلال أدوات التقارير المتطورة. إضافةً إلى ذلك، يساعد هذا في اكتشاف الفجوات الموجودة في البيانات، مما يتيح الفرصة لمزودي الخدمات الخارجية لتقديم السياق اللازم للبيانات وتحليلها بشكل أدق.
بالإضافة إلى تحسين كفاءة العمل واتخاذ قرارات مدروسة، فإن تحليل البيانات الضخمة يوفر لشركات التأمين أدوات قوية لمواكبة التغيرات المستمرة في السوق والمساعدة في التنبؤ بالمخاطر المستقبلية بصورة أكثر دقة، ما يسهم في تحسين الأداء الشامل والتوسع المستدام.
كيفية تعزيز تقييم المخاطر في التأمين باستخدام تحليلات البيانات الضخمة
في صناعة التأمين، يعد تقييم المخاطر جزءاً أساسياً من تحديد أسعار الوثائق وضمان استدامة شركات التأمين. و قد اعتمدت شركات التأمين في الماضي على مجموعة محدودة من العوامل مثل التاريخ الصحي للعملاء، و بيانات الحوادث السابقة، وبيانات مالية ثابتة. لكن مع ظهور البيانات الضخمة، أصبحت الفرصة أكبر لتحسين هذا التقييم بشكل غير مسبوق.
و تقدم تحليلات البيانات الضخمة أدوات وتقنيات تمكّن شركات التأمين من الحصول على رؤى دقيقة حول المخاطر التي قد تواجهها، وبالتالي اتخاذ قرارات أكثر دقة وفعالية و ذلك من خلال:
1- تحسين دقة التنبؤ بالمخاطر باستخدام البيانات المتنوعة:
تتيح تحليلات البيانات الضخمة لشركات التأمين الوصول إلى مجموعة واسعة من البيانات التي يمكن استخدامها لتقييم المخاطر بشكل أكثر دقة. و تشمل هذه البيانات مصادر متعددة مثل:
- بيانات الإنترنت: من خلال تحليل سلوك العملاء على شبكة الانترنت، يمكن لشركات التأمين التنبؤ بأنماط حياة العملاء وتوقع سلوكياتهم التي قد تؤدي إلى المخاطر.
- بيانات الحوسبة السحابية: يمكن للبيانات المستخلصة من الأجهزة الذكية مثل الهواتف المحمولة والسيارات المتصلة بالإنترنت أن تقدم معلومات حول تحركات وسلوكيات الأفراد، مثل القيادة الآمنة أو العوامل البيئية التي قد تؤثر على المخاطر.
- البيانات الطبية : تتيح تحليلات البيانات الضخمة الاستفادة من السجلات الصحية الرقمية و المعلومات الطبية للعميل بشكل دقيق لتحليل تاريخ المرض، مما يساعد في تحديد الأسعار والتغطيات بشكل أفضل
2- تحليل الأنماط باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (Machine Learning):
من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة ، يمكن لشركات التأمين فحص كميات ضخمة من البيانات لتحديد الأنماط الخفية التي قد لا تكون واضحة باستخدام الطرق التقليدية. و تساعد هذه الأدوات على:
تحليل السلوك: فهم الأنماط السلوكية للعملاء وتحديد المخاطر التي قد تنشأ مما يطرأ على سلوكهم من تغييرات .
التنبؤ بالحوادث والمطالبات: من خلال التعرف على الأنماط السابقة للمطالبات والحوادث، يمكن للنماذج التنبؤية أن تساعد في تقدير احتمال وقوع حوادث مستقبلية.
التحليل اللحظي: يساعد تحليل البيانات في الوقت الفعلي على التنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها، مما يسمح باتخاذ قرارات سريعة للحد من الخسائر.
3- تخصيص المنتجات والأسعار وفقًا للمخاطر الفردية:
من أكبر مزايا استخدام البيانات الضخمة في تقييم المخاطر ، القدرة على تخصيص المنتجات والأسعار بناءً على المخاطر الفعلية لكل عميل. و ذلك بدلاً من الاعتماد على مؤشرات جماعية مثل العمر أو الموقع الجغرافي، مما يمكن شركات التأمين من تحديد أسعار أكثر دقة بناءً على تحليل البيانات الفردية.
على سبيل المثال : يمكن تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للحوادث بناءً على سلوكهم في القيادة أو أنشطتهم اليومية.، كما يمكن تحليل البيانات الطبية لتحسين تصنيفات المخاطر الخاصة بكل عميل بناءً على حالته الصحية الفعلية بدلاً من مجرد تصنيفها وفقًا للأمراض المعروفة.
4- تحسين القدرة على إدارة المخاطر والكوارث الطبيعية:
تساعد البيانات الضخمة أيضاً على تحسين إدارة المخاطر المتعلقة بالكوارث الطبيعية. من خلال تحليل البيانات المناخية والبيئية في الوقت الفعلي، مما يساعد على تنبؤ شركات التأمين بالكوارث الطبيعية (مثل الفيضانات والزلازل) وتعديل استراتيجيات التأمين وفقًا لذلك. كما يمكن أن يساعد تحليل البيانات الجغرافية في تحديد المناطق الأكثر عرضة للأخطار، مما يساعد شركات التأمين على تخصيص الوثائق بشكل أكثر فعالية.
5- تحسين تجربة العملاء وتقليل الاحتيال:
لا تقتصر أهمية تحليل البيانات الضخمة على تقييم المخاطر فقط، بل تساعد أيضًا في تحسين تجربة العملاء، فباستخدام هذه البيانات، يمكن لشركات التأمين تقديم عروض مخصصة للعميل بناءً على تفضيلاته وتوقعاته. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدامها لاكتشاف حالات الاحتيال في المطالبات و الحد منها .
البيانات الضخمة والاستدامة في صناعة التأمين
تُعد البيانات الضخمة بمثابة المحرك الرئيسي لتحقيق الاستدامة في صناعة التأمين، حيث تفتح آفاقًا جديدة لتحسين الأداء البيئي والاجتماعي والاقتصادي وذلك من خلال استخدام كميات ضخمة من البيانات والتحليلات المتقدمة، و بناء عليها يمكن لشركات التأمين اتخاذ قرارات مدروسة وفعّالة تساهم في تحقيق الاستدامة على مستوى العمليات والمنتجات والخدمات.
1- الاستدامة البيئية:
من خلال جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالتغيرات المناخية، يمكن للبيانات الضخمة أن تُساعد شركات التأمين على تقييم المخاطر البيئية بشكل أكثر دقة. وبذلك، تصبح الشركات قادرة على التنبؤ بالأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية وتقديم حلول تأمينية تتماشى مع الاستدامة البيئية. على سبيل المثال، يمكن لشركات التأمين استخدام البيانات الضخمة لتحديد المناطق الأكثر عرضة للكوارث البيئية، وبالتالي تشجيع العملاء على اتخاذ تدابير وقائية تقلل من المخاطر، مما يسهم في حماية البيئة وتقليل الأضرار البيئية على المدى الطويل.
2- الاستدامة الاقتصادية:
من خلال التحليل المتقدم للبيانات، يمكن لشركات التأمين تحسين إدارة المخاطر وتقليل التكاليف التشغيلية، وهو ما يعزز من الاستدامة الاقتصادية للمؤسسات. البيانات الضخمة تساهم في تحسين تحديد الأسعار المناسبة والحد من الفاقد المالي، مما يسهم في استقرار السوق وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. كما أن تحسين الاستراتيجيات التسويقية بناءً على البيانات الدقيقة يساعد الشركات على الوصول إلى شريحة أكبر من العملاء وتقديم منتجات تناسب احتياجاتهم، مما يعزز النمو المستدام في السوق.
3- الاستدامة الاجتماعية:
تساعد البيانات الضخمة شركات التأمين على تحسين وصول الخدمات للمجتمعات المختلفة، سواء كانت تلك المجتمعات متأثرة بمخاطر بيئية أو صحية. فمن خلال استخدام البيانات لتحليل سلوكيات العملاء واحتياجاتهم، يمكن تقديم خدمات تأمينية مرنة تستهدف فئات متنوعة، مما يساهم في تحسين العدالة الاجتماعية وتوفير الحماية اللازمة لجميع الأفراد.
التكامل بين البيانات الضخمة والاستدامة:
عندما تتضافر البيانات الضخمة مع أهداف الاستدامة، تصبح الشركات أكثر قدرة على تطوير استراتيجيات تأمينية تساهم في تحسين البيئة، وتعزز من الاستقرار الاقتصادي، وتدعم الرفاهية الاجتماعية، حيث يتيح استخدام هذه البيانات لشركات التأمين اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة تساهم في تقليل الآثار البيئية، بينما تحسن الكفاءة الاقتصادية وتزيد من تفاعل العملاء مع المنتجات المستدامة.
و في نهاية المطاف، تمثل البيانات الضخمة الجسر الذي يربط بين التقدم التكنولوجي و المسؤولية الاجتماعية والبيئية، مما يتيح لشركات التأمين المساهمة الفعّالة في تحقيق مستقبل مستدام يعزز من رفاهية المجتمع ويؤمن البيئة للأجيال القادمة.
ومن أمثلة كيفية استخدام بعض الشركات الكبرى للبيانات الضخمة بطرق مبتكرة:
1- برنامج تحليل السلوك :
تستخدم إحدى شركات التأمين الكبرى البيانات الضخمة لتقييم المخاطر من خلال برنامج خاص يعتمد على تكنولوجيا تتبع سلوك العميل أثناء قيادة سيارته. حيث تجمع الشركة بيانات عن سلوك القيادة، مثل السرعة، أنماط التوقف، وأوقات القيادة .ثم يتم تحليل هذه البيانات لتقديم أسعار تأمين مخصصة بناءً على عادات القيادة للفرد. و بالتالي يمكن لشركة التأمين منح السائقين الذين يتحلّون بنمط قيادة آمن خصومات كبيرة على الأقساط. كما توفر الشركة نصائح لتحسين سلوك القيادة استناداً إلى هذه البيانات. وتساعد البيانات أيضاً في التنبؤ باحتمالية حدوث مطالبات مستقبلية وبناء على تلك المعلومات يمكن للشركة تقديم منتجات تأمينية مخصصة وفقًا للنتائج المحتملة.
2- برنامج تحليل البيانات المتعلقة بصحة و أنشطة العميل :
تستخدم شركة أخرى التحليلات البيانية من خلال برنامج مخصص يعزز من دمج بيانات الصحة والرفاهية الخاصة بالعميل ،حيث يستخدم حاملو الوثائق أجهزة تتبع لياقة بدنية لمراقبة نشاطهم البدني، نظامهم الغذائي، وبعض المقاييس الصحية الأخرى. و بناءً على البيانات المجمّعة، تقدم الشركة تسعيراً ديناميكياً من خلال خصومات ومكافآت للسلوكيات الصحية مثل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام والفحوصات الطبية.و يساعد هذا النهج الشركة في فهم الملفات الصحية للعملاء بشكل أفضل مما يعزز دقة الاكتتاب والتسعير.
3- بيانات الأقمار الصناعية و الطقس :
تستخدم شركة تأمين أخرى البيانات الضخمة لتحليل وتقييم المخاطر من خلال الطرق التالية:
تعتمد الشركة على بيانات الأقمار الصناعية، أنماط الطقس، وبيانات الحوادث التاريخية لتحديد والتنبؤ بتأثير الكوارث الطبيعية. و يساعد هذا في الاكتتاب وتسعير وثائق التأمين على الممتلكات في المناطق عالية المخاطر.
كما تستعين الشركة بخوارزميات التعلم الآلي للكشف عن المطالبات الاحتيالية من خلال تحليل الأنماط واكتشاف أي شذوذ في البيانات. و يساعد هذا النهج على الحد من المطالبات الزائفة، مع تسريع عملية تسوية المطالبات وجعلها أكثر دقة وكفاءة.
4- تحليلات العملاء :
تستخدم إحدى الشركات الكبرى البيانات الضخمة للحصول على رؤى أوضح عن العملاء وتحقيق كفاءة تشغيلية أكبر:
تعتمد الشركة على تحليلات البيانات لتقسيم قاعدة عملائها بشكل أكثر دقة لأغراض التسويق المستهدف وتقديم المنتجات المخصصة.
تساعد البيانات الضخمة الشركة في تسريع معالجة المطالبات باستخدام التحليلات التنبؤية لتقييم صحة المطالبات.
5- تحليل بيانات المناخ و البيانات الصحة:
تستخدم شركة تأمين أخرى البيانات الضخمة بطرق مبتكرة متعددة:
تستخدم الشركة بيانات المناخ والنماذج التنبؤية لتحليل مخاطر التغير المناخي وتقييم تأثيره على محفظتها التأمينية، مما يساعد على تقليل المخاطر طويلة الأجل.
كما تقوم الشركة من خلال منصة صحية بجمع وتحليل البيانات الصحية للمستخدمين، وتقديم نصائح صحية مخصصة وبرامج رفاهية، مما يساعد أيضًا في تقييم المخاطر التأمينية.
6- التأمين الرقمي:
تستخدم إحدى شركات التأمين الرقمية البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في التواصل مع العملاء:
تعتمد الشركة على روبوتات الذكاء الاصطناعي لجمع البيانات من العملاء المحتملين ومن ثم تقديم عروض تأمين فورية بناءً على تحليل البيانات في الوقت الفعلي.
يتولى روبوت الذكاء الاصطناعي الخاص بها معالجة المطالبات من خلال تحليل البيانات المقدمة من العملاء، واكتشاف الاحتيال، والموافقة على المطالبات في غضون دقائق قليلة.
دراسة حالة عملية: استخدام البيانات الضخمة في تأمين السيارات لتحليل المخاطر
الخلفية : واجهت إحدى شركات التأمين العالمية الرائدة في مجال التأمين على السيارات تحدياً كبيراً في تحسين تقييم المخاطر وتسعير الأقساط بشكل دقيق. حيث اعتمدت على الأساليب التقليدية في جمع البيانات وتحليل المخاطر، مما جعل عملية تحديد الأسعار واكتتاب الوثائق تعتمد بشكل أساسي على معلومات محدودة مثل العمر ونوع السيارة وسجل الحوادث.
ولكن مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، أدركت الشركة أنه من الضروري استغلال البيانات الضخمة لتحسين كفاءة العملية وتقديم حلول مخصصة للعملاء.
التحدي: التحدي الأكبر كان في كيفية استخدام البيانات الضخمة لتحليل المخاطر بشكل دقيق وتحسين التسعير، إضافة إلى ضرورة التنبؤ بالحوادث المستقبلية بناءً على بيانات السائقين وتفاصيل السيارة، وليس فقط النظر إلى التاريخ السابق للعميل.
الحل: قررت الشركة استخدام البيانات الضخمة من خلال تطبيق نظام تحليل يعتمد على أجهزة استشعار ذكية (telematics) في السيارات، بحيث يتم جمع بيانات دقيقة في الوقت الفعلي عن سلوكيات السائقين، مثل:
عادات القيادة: مثل السرعة، أنماط التوقف، وعدد ساعات القيادة.
بيانات الطقس: لتحديد تأثير الظروف الجوية على القيادة.
الموقع الجغرافي: لتحليل مناطق القيادة ذات المخاطر العالية.
الصحة العامة للسائق: من خلال أجهزة تتبع اللياقة البدنية القابلة للارتداء لمراقبة صحة السائق ومدى تأثره بالعوامل الصحية على القيادة.
و باستخدام هذه البيانات، استطاعت الشركة تحليل البيانات المتقدمة عبر تقنيات تعلم الآلة (Machine Learning) التي تتمكن من:
- التنبؤ بمخاطر الحوادث: ساعد التحليل المستمر لأنماط القيادة والظروف المحيطة على تحديد السائقين ذوي المخاطر العالية والتنبؤ بإمكانية وقوع الحوادث بناءً على سلوكياتهم.
- التسعير الديناميكي: القدرة على ضبط أسعار الأقساط بشكل مستمر بناءً على البيانات الحية المبنية على سلوك السائق. على سبيل المثال، يحصل السائقون الذين يقودون بأمان على خصومات فورية، بينما يتحمّل السائقون الذين يظهرون سلوكًا محفوفًا بالمخاطر زيادة في الأقساط.
- تحسين الاكتتاب: باستخدام البيانات المتوفرة، استطاعت الشركة تحديد معايير اكتتاب أكثر دقة، مما قلل من المخاطر و أدى إلى تحسين كفاءة عمليات الاكتتاب.
النتائج:
زيادة دقة تقييم المخاطر: من خلال التحليل العميق للبيانات الضخمة، أصبحت الشركة قادرة على تقديم تقديرات دقيقة للمخاطر المحتملة، مما ساعد في تحسين تسعير المنتجات التأمينية.
خفض التكاليف: من خلال تقديم حلول تأمينية مخصصة، انخفضت تكاليف معالجة المطالبات وزادت الكفاءة التشغيلية بشكل كبير.
تحسين تجربة العملاء: حصل العملاء على عروض تأمينية مخصصة وخصومات بناءً على سلوكهم الفعلي، مما أدى إلى زيادة رضا العملاء وولائهم.
تقليل الحوادث: بفضل استخدام البيانات لتحفيز السلوك الآمن، لوحظ انخفاض في معدل الحوادث لدى السائقين المتابعين، مما عزز من سمعة الشركة وقدرتها على تقديم حلول تأمينية مبتكرة وآمنة.
التوسعات المستقبلية : تخطط الشركة الآن لتوسيع استخدام البيانات الضخمة لتحليل المخاطر في مجالات أخرى مثل تأمين المنازل والصحة، من خلال دمج بيانات إضافية من أجهزة الإنترنت المتصلة (IoT) والتطبيقات الصحية.
التحديات والصعوبات التي تواجه صناعة التأمين عند تطبيق البيانات الضخمة وكيفية التغلب عليها
تواجه صناعة التأمين العديد من التحديات والصعوبات عند استخدام البيانات الضخمة، لكن مع تطور التكنولوجيا وابتكار الحلول، تم التغلب على الكثير من هذه الصعوبات.
و من أبرز التحديات التي تواجه استخدام البيانات الضخمة في التأمين وكيفية التغلب عليها:
1- مشكلة الخصوصية والأمان
التحدي: نظراً لأن البيانات التي يتم جمعها تتضمن معلومات حساسة عن الأفراد مثل الحالة الصحية، السلوكيات اليومية، والموقع الجغرافي، فإن الحفاظ على الخصوصية والأمان يعد تحدياً كبيراً.
و للتغلب على هذا التحدي: يجب على الشركات استخدام تقنيات التشفير المتقدمة لحماية البيانات، بالإضافة إلى التحكم في الوصول للبيانات لضمان عدم مشاركة البيانات الحساسة إلا مع الأطراف المصرح لها بذلك. كما أن يجب على الشركات تطبيق السياسات الأمنية بشكل صارم مع التدقيق الدوري لضمان الامتثال للمعايير القانونية.
2- عدم وجود خبرات كافية
التحدي: من الصعب العثور على مهنيين ذوي خبرة في تحليل البيانات الضخمة، خاصة في صناعة التأمين التي تتطلب خبرة فنية وفهم عميق للصناعة.
و للتغلب على هذا التحدي: يجب على الشركات توجيه قدر كبير من استثماراتها لتوظيف الخبراء في مجال البيانات، إضافة إلى التعاون مع شركات تكنولوجيا خارجية متخصصة في البيانات الضخمة. كما تم تقديم برامج تدريبية لتطوير مهارات الموظفين الحاليين في تحليل البيانات.
3- تحقيق التوازن بين التكنولوجيا واحتياجات العميل
التحدي: قد تواجه الشركات صعوبة في التوفيق بين استخدام البيانات الضخمة لتقديم خدمات مخصصة وبين تلبية احتياجات العملاء التي قد لا يتمكن الذكاء الاصطناعي من فهمها بشكل كامل.
و للتغلب على هذا التحدي : يجب على الشركات دمج الذكاء الاصطناعي مع التفاعل البشري بحيث يتم تقديم خدمة مخصصة من خلال الجمع بين التحليل التنبؤي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على عنصر التواصل البشري لضمان تلبية احتياجات العملاء بشكل شخصي.
رأي الاتحاد
في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبح الاعتماد على البيانات الضخمة أمراً لا غنى عنه في صناعة التأمين. فمن خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات المتنوعة، أصبح من الممكن تحسين تقييم المخاطر وتخصيص العروض للعملاء واكتشاف الأنماط التي قد تظل غير مرئية بالطرق التقليدية.
لكن، كما هو الحال مع أي تحول تقني، هناك تحديات وصعوبات ينبغي التغلب عليها. ومع ذلك، فإن هذه التحديات ليست عقبات، بل فرصاً لتطوير الحلول المبتكرة التي تساهم في تحسين الخدمة وكفاءة الأعمال. يؤمن الاتحاد المصري للتأمين بأهمية مواكبة التغيرات التكنولوجية، واستخدام البيانات الضخمة كأداة رئيسية لتحسين استراتيجيات العمل واتخاذ القرارات المدروسة.
و يتطلب تطبيق هذه التقنيات بشكل فعال دمج الذكاء الاصطناعي مع تحليل البيانات على نطاق واسع بالإضافة إلى ضمان حماية البيانات وخصوصية العملاء. ويري الاتحاد المصري للتأمين أن العمل على تكنولوجيا البيانات الضخمة ليس فقط خطوة نحو تحسين العمليات الحالية، بل هو استثمار في المستقبل حيث نُعِدُّ أنفسنا لمرحلة من النمو المستدام والتطور المستمر.