لماذا سيشهد العام 2023 اعتمادًا أكبر على السحابة الإلكترونية في الخدمات المالية؟
رولا كلاس / رئيسة التحرير
في تموز الماضي، أصدر بنك التسويات الدولية (BIS) تحذيرًا للقطاع المالي بشأن اعتماده المتزايد على خدمات الحوسبة السحابية التي توفرها حفنة من الشركات، لأن ذلك يمكن أن يكون له “آثار منهجية على النظام المالي”. كما يحذّر متشائمون آخرون من تزايد المخاطر السيبرانية التي تشكلها الرقمنة.
لكن وفقًا لاستطلاع حديث أجرته شركة McKinsey من المتوقع أن يستمرّ الاعتماد على السحابة في الخدمات المالية في النمو في العام 2023، حيث قال أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع، إنهم يتوقعون تحويل نصف أعباء العمل على الأقل إلى السحابة العامة في الخمس سنوات المقبلة. هذا لأن الابتكارات والميزات والخدمات المعروضة على السحابة أكبر من أن يتم تجاهلها، ولأن تطبيق التقنيات السحابية هو الآن الأكثر أمانًا، ويمكن أن يحسّن بشكل كبير من الكفاءة في العمل ويفوق أي مخاطر ملموسة (يمكن إدارتها) على مستوى المؤسسات المالية الفردية، مقارنة بتطبيق الأجهزة والبرامج الخاصة بالبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات داخل مقرّ الشركة.
وبشكل عام، يمكن تصنيف الفوائد الرئيسية للسحابة في ما يلي:
التوفير في التكاليف، الكفاءة والفعالية، والقدرة على التطوير
لا يزال أحد الدوافع الرئيسية لاعتماد السحابة العامة في الخدمات المالية هو إمكانية تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف. فباستخدام السحابة، يمكن للمؤسسات المالية تقليل تكاليف البنية التحتية الخاصة بها عن طريق الدفع مقابل الموارد التي تستخدمها فقط، بدلاً من صيانة وترقية الخوادم ومراكز البيانات الخاصة بها، ويصبح نموذج الدفع عند الإستخدام مهمًا بشكل خاص في بيئة الاقتصاد الكلي المتقلبة. وأيضاً بالنسبة للمؤسسات الصغيرة، فإن اعتماد السحابة العامة يقلل من عائق كبير يمكن أن يواجههم إذا لم يكن لديهم الموارد اللازمة للاستثمار في البنيات التحتية الخاصة بهم.
واليوم فإن السحابة تساعد بالفعل المؤسسات المالية على تحقيق فعالية أكبر في العمل. وقد أجبرت عمليات التحول إلى البيئات السحابية المؤسسات على إعادة تقييم أنظمتها الأساسية القديمة والعثور على طرق أكثر بساطة لتخزين البيانات ومعالجتها. كما أن اتساع نطاق خدمات الأتمتة المعروضة يضاعف من المنافسة عبر تحسين الكفاءة وجودة الخدمات، حيث نرى المؤسسات المالية الآن قادرة على معالجة معاملاتها بسرعة ودقة أكبر، مع قدرة كبيرة للوصول بسهولة إلى البيانات وتحليلها لاتخاذ قرارات مستنيرة على أساسها.
وفي حين أن توفير التكاليف والكفاءات في الخدمة هي من العوامل المهمة، فإن المرحلة التالية من اعتماد السحابة ستركز على قيادة التحول الرقمي من خلال الاستفادة من بنيات تكنولوجيا المعلومات الحديثة مثل الـ Microservices والـ AI والـ Blockchain. وستمكّن هذه التقنيات الجديدة مؤسسات الخدمات المالية من أن تكون أكثر مرونة واستجابة لظروف السوق المتغيّرة والاحتياجات المتزايدة. وتعد السحابة مفتاحًا للاستفادة من هذه التقنيات وتمكين المؤسسات المالية من طرح منتجات وخدمات جديدة بسرعة أكبر، فضلاً عن اختبار الأفكار الجديدة وتكرارها - بجزء بسيط من التكلفة في البيئات التقليدية.
ضمانة أكبر لحماية البيانات
على الرغم من المخاوف الأولية، فقد أثبتت السحابة أنها بيئة آمنة لشركات الخدمات المالية. فقد استثمر الرواد من مقدمي الخدمات السحابية بكثافة في معايير الأمان، بما في ذلك تقنيات التشفير المتقدمة في مراكز البيانات الخاصة بهم. بالإضافة إلى ذلك ، تتيح السحابة إمكانية المراقبة والتحكم بشكل أفضل بالتهديدات الأمنية التي قد تتعرض لها منظومة البايانات، إضافة الى سهولة أكبر في الإمتثال للقوانين والأنظمة العالمية منها على سبيل المثال معيار أمان بيانات صناعة بطاقات الدفع The Payment Card Industry Data Security Standard (PCI DSS).
من ناحية أخرى تسهل خدمات الحوسبة السحابية التعاون بشكل أكبر داخل مؤسسات الخدمات المالية، وكذلك مع شركائها الخارجيين. وتشير مبادئ الخدمات المصرفية المفتوحة، على سبيل المثال ، إلى أن الابتكار يتحقق من خلال مشاركة البيانات بشكل أفضل. وتسهل السحابة على مؤسسات الخدمات المالية مشاركة المعلومات والتعاون بسهولة أكبر مع عملائها ومورديها وأصحاب المصلحة الآخرين، بما فيه مصلحة جميع المعنيين.
ومع ذلك، لا ينبغي أن تمرّ المخاطر دون مراقبتها
يعد الأمان والخوف من الإضطرار للإلتزام باستخدام خدمات الحوسبة السحابية بغض النظر عن جودتها، لأن الابتعاد عنها قد يكون غير عملي من المخاوف المعقولة والتي يجب الإلتفات اليها، الا أن هذه المخاوف لا يجب أن تعيق تبني الإعتماد السحابة بأي شكل من الأشكال.
في العام 2023، سنرى اتجاه المزيد من المؤسسات نحو “السحابات الهجينة” Hybrid-Cloud أو “السحابات المتعددة” Multi-Cloud للاستفادة من مزاياها، مع الحفاظ على بعض التحكم في البنية التحتية الخاصة بهم. ووفقًا لأحدث تقرير بحثي لـ Virtana ، بعنوان The State of Multi-Cloud Management, أو “حالة الإدارة للسحابات المتعددة” فإن 82٪ من المؤسسات حاليًا تستفيد من إستراتيجية السحابة المتعددة و78٪ من المؤسسات حمّلت خدماتها وأعمالها على أكثر من ثلاث شبكات سحابية عامة. وفي الخدمات المالية، يعني هذا النهج أنه يمكن للمؤسسات الاحتفاظ ببيانات أو تطبيقات معيّنة داخل أماكن العمل لأسباب أمنية أو تنظيمية، بينما يمكن استخدام السحابة لأغراض أخرى.
ومن ناحية أخرى يمكن للمشرعين والحكومات أن يلعبوا دورًا رئيسيًا في وضع وتعزيز التشريعات والمعايير التي تضمن أمن السحابات وحماية البيانات. ومع المزيد من توحيد المقاييس والتوجيه والدعم ، يمكننا ضمان أن التحول الى السحابات في الخدمات المالية سيكون سلسًا وآمنًا قدر الإمكان.
إذاً الفوائد تفوق المخاطر بكثير
تقدم السحابة ميزات عديدة أهمها: التوفير في التكاليف، وحماية محسّنة ومعدّلة للمخاطر السيبرانية، وقدرة وسرعة وكفاءة أكبر على التطوير، ودعمًا لإمكانية العمل عن بُعد والقدرة على تسهيل تبني التحول الرقمي. وإذا استمرت المؤسسات في اتباع “السحابات الهجينة” و”السحابات المتعددة” لمعالجة المخاوف المتعلقة بالأمان والمرونة، فمن المتوقع أن يشهد العام 2023 اعتمادًا كبيراً وسريعًا على السحابات الإلكترونية.