التمويل الأخضر والاقتصاد الدائري

12 آب 2023
مقالات
مشاركة

د.عدلي قندح: خبير ومحلل إقتصادي/ الأردن

التمويل الأخضر والاقتصاد الدائري هما مفهومان حديثان نسبياً برزا في السنوات الاخيرة، يهدفان إلى تعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية. ويتمحور التمويل الأخضر حول توجيه الاستثمارات نحو مشاريع وتقنيات تساهم في حماية البيئة وتخفيف التأثير البيئي السلبي. وعلى الجانب الآخر، يعتمد الاقتصاد الدائري على تحويل الاقتصاد من نموذج خطي يعتمد على استهلاك الموارد الطبيعية إلى نموذج يعيد استخدام الموارد وإعادة تدويرها بشكل مستدام.

وتتوافق فكرة الاقتصاد الدائري مع مفهوم التمويل الأخضر، حيث يهدف الاثنان إلى تحقيق التنمية المستدامة والحد من التأثيرات البيئية السلبية للأنشطة الاقتصادية. ويعتبر التمويل الأخضر أداة رئيسية في تمويل وتحفيز الابتكارات والمشاريع البيئية والتكنولوجيات النظيفة التي تدعم الاقتصاد الدائري.

ويمكن للتمويل الأخضر دعم مجموعة متنوعة من المشاريع في إطار الاقتصاد الدائري، مثل تطوير التقنيات البيئية النظيفة، وتعزيز الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، ودعم إعادة التدوير وإعادة التصنيع. ويتم تحقيق ذلك من خلال توجيه الاستثمارات نحو المشاريع التي توفر فوائد بيئية واجتماعية قابلة للقياس، مع ضمان العوائد المالية المستدامة للمستثمرين.

ويعزز الاقتصاد الدائري التمويل الأخضر من خلال إيجاد فرص للاستثمار في الابتكارات البيئية وتطوير السلاسل اللوجستية المستدامة وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص. ومن خلال الاستثمار في هذه الاقتصادات الدائرية، يمكن تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستدامة الاقتصادية والبيئية في المجتمعات.

يجب الإشارة إلى أن الاقتصاد الدائري والتمويل الأخضر لا يعملان بشكل منفصل، بل يتطلبان تعاونًا وتنسيقًا بين الحكومات والمؤسسات المالية والشركات والمجتمع المدني لتحقيق أهداف الاستدامة والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.

ومن هنا تأتي أهمية وجود استراتيجية تمويل خضراء في عالم اليوم، حيث أصبحت الاستدامة البيئية ضرورة عالمية. حيث تشير الأعمال المصرفية والتمويلية الخضراء إلى دمج الاعتبارات البيئية ومبادئ الاستدامة في عمليات صنع القرار في المؤسسات المالية. فمن خلال اعتماد استراتيجية تمويلية خضراء، يمكن ضمان توجيه أموال البنوك والمؤسسات المالية نحو المشاريع والأعمال الصديقة للبيئة التي تعطي الأولوية للاستدامة. فهذا النهج يساعد في توجيه الموارد إلى قطاعات مثل الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والزراعة المستدامة، والتي تساهم في تقليل انبعاثات الكربون وتخفيف تغير المناخ.

ومن خلال دمج تقييمات المخاطر البيئية في قرارات الإقراض والاستثمار، يمكن للبنوك والمؤسسات المالية تحديد المخاطر المحتملة المرتبطة بالأنشطة الضارة بيئيًا والتخفيف من حدتها. فهذا النهج الاستباقي يساعد في حماية المؤسسات المالية من الآثار السلبية للأحداث المتعلقة بالمناخ والتغيرات التنظيمية ومخاطر السمعة.

ولا شك بأن الاستراتيجية المصرفية الخضراء تعزز من سمعة البنوك والمؤسسات المالية، وتجذب العملاء والشركات المهتمة بالبيئة والتي تسعى إلى إقامة شراكات مع المؤسسات التي تتماشى مع قيمها. ومن خلال إظهار الالتزام بالاستدامة ، يمكن للبنوك تمييز نفسها في السوق واكتساب ميزة تنافسية.

كما يمكن أن يؤدي الاستثمار في المشاريع والأعمال التجارية المستدامة بيئيًا إلى استقرار مالي طويل الأجل. فقد أظهرت القطاعات الخضراء، مثل الطاقة المتجددة، إمكانات نمو قوية ومرونة في مواجهة تقلبات السوق. فمن خلال تنويع محافظها الاستثمارية ودعم المبادرات المستدامة، يمكن للبنوك تقليل التعرض للصناعات كثيفة الكربون ويحتمل أن تحقق عوائد مالية أفضل على المدى الطويل.

وتجدر الاشارة الى أن الخدمات التمويلية الخضراء تشجع المؤسسات المالية على استكشاف المنتجات والخدمات المالية المبتكرة التي تدعم التنمية المستدامة. وهذا يشمل تقديم قروض خضراء، ورهون عقارية خضراء، وخيارات استثمارية تعطي الأولوية للمشاريع الصديقة للبيئة. بالإضافة إلى ذلك، تعزز الخدمات المصرفية الخضراء التعاون بين المؤسسات المالية والشركات والوكالات الحكومية لتطوير آليات تمويل مستدامة والتصدي للتحديات البيئية المعقدة بشكل جماعي.

على سبيل المثال، أصدر البنك الاردني الكويتي في شهر آذار الماضي أول سند أخضر في الاردن، وسيخصص البنك العوائد من هذا السند لتمويل المشاريع والأصول الخضراء والتي تتضمن مشاريع الطاقة المتجددة، والسيارات قليلة الإنبعاثات الكربونية، والبنية التحتية الخضراء والمباني الخضراء والأنظمة الموفرة للطاقة وموارد المياه وإعادة التدوير والإقتصادات الدائرية المستدامة.

ونتوقع أن يعلن البنك المركزي الاردني عن استراتيجيته المصرفية الخضراء في الايام المقبلة والتي سيكون لها أثر كبير في تنظيم هذا القطاع الهام لما له من انعكاسات ايجابية على الاقتصاد والبيئة والاعمال.

وأخيراً، لا بد من التأكيد على أن الاستراتيجية المصرفية الخضراء يجب أن تتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة(SDGs) ، ولا سيما الهدف 13 (اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ وتأثيراته) والهدف 7 (ضمان الوصول الشامل والمستدام للطاقة النظيفة والميسورة التكلفة). فمن خلال الدعم النشط للمشاريع التي تعالج هذه الأهداف، يمكن للبنوك المساهمة في جهود الاستدامة العالمية وإحداث تأثير إيجابي على المجتمع.

ويذكر أنه في عام 2015، تم اعتماد الأجندة العالمية للتنمية المستدامة 2030 في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المعروفة بـ "قمة باريس". وتتألف هذه الأجندة من مجموعة من الأهداف العالمية الـ 17 والتي تعرف بأهداف التنمية المستدامة.  وتهدف هذه الأهداف إلى تعزيز التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم من خلال معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

أخبار من نفس الفئة