التهديد القادم للإقتصاد العالمي المتعثر

20 أيار 2023
مقالات
مشاركة

د.عدلي قندح
خبير ومحلل اقتصادي/ الاردن

 

من أكبر التهديدات للاقتصاد العالمي المترنح أو المتعثر، هو أن يكون بطريقه للدخول بحالة من ارتفاع معدلات التضخم المصحوبة بالركود الاقتصادي والبطالة. إنها حالة اقتصادية قاسية يصعب التنبؤ بها بدقّة لأنها ناتجة عن تفاعل معقد بين مجموعة متنوعة من العوامل. ومع ذلك، فيما يلي بعض المؤشرات التي ينظر إليها الاقتصاديون والمحللون للتنبؤ بالركود التضخمي:


 أولاً: إنخفاض النمو الاقتصادي، وهو من أولى علامات التضخم المصحوب بركود اقتصادي. ويمكن ملاحظة ذلك في انخفاض أرقام الناتج المحلي الإجمالي أو انخفاض الإنفاق الاستهلاكي. 
 ثانياً: ارتفاع معدلات البطالة ويكون ذلك نتيجة لانخفاض النمو الاقتصادي، حيث قد تضطر الشركات إلى تسريح العمال.
 ثالثاً: ارتفاع معدلات التضخم، ويحدث التضخم عندما يزداد المستوى العام لأسعار السلع والخدمات بمرور الوقت. وفي حالة الركود التضخمي، يكون معدل التضخم مرتفعًا، غالبًا بسبب عوامل مثل ارتفاع أسعار الطاقة أو المواد الغذائية، وهذا ما شهدناه عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في نهاية شباط 2022. 
رابعاً: ظهور انقلاب في منحنى العائد على السندات الحكومية، الذي يشير  إلى حالة تكون فيها أسعار الفائدة على السندات قصيرة الأجل أعلى منها على السندات طويلة الأجل. وهذا يعني أن المستثمرين يطالبون بعائدات أعلى لاستثمار أموالهم على مدى فترة زمنية أقصر مقارنة بفترة أطول.

وغالبًا ما يُنظر إلى هذا الموقف على أنه علامة على تشاؤم المستثمرين بشأن مستقبل الاقتصاد، حيث يشير إلى أن المستثمرين مهتمون أكثر بالحفاظ على أموالهم على المدى القصير بدلاً من استثمارها في مشاريع طويلة الأجل يمكن أن تحقق عوائد أعلى. وهذا هو الوضع الحالي فيما يتعلق بمنحنى عائد سندات الخزانة الاميركية. لذا سنحلل هذا العامل باستفاضة. فماذا يتطلب من بنك الاحتياط الفيدرالي القيام به في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم عند مستويات أعلى من 6% وخاصة التضخم الاساسي Core Inflation ؟


تاريخياً، وعلى مدى 5 عقود تقريباً، كانت منحنيات العائد على السندات المقلوبة مؤشراً موثوقاً لتوقع حدوث ركود إقتصادي، لأن هذه الظاهرة يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في نشاط الإقراض، مما قد يتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى ركود، ولكن بعد مرور فترة غير محددة. على سبيل المثال، في أوائل الثمانينيات، بدأ الركود بعد عام تقريبًا من انعكاس منحنى العائد، بينما في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يبدأ الركود إلا بعد ثلاث سنوات تقريبًا من انعكاس مماثل. وهناك حالات حدث فيها انعكاس منحنى العائد دون حدوث ركود لاحق. لذلك، يمكن أن يكون منحنى العائد المقلوب علامة تحذير للمستثمرين وصناع السياسات، وقد يدفعهم إلى اتخاذ إجراءات لتحفيز الاقتصاد ومنع حدوث ركود. 


ولكن يجب التذكير بأن هناك علاقة بين رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي لمحاربة التضخم والتسبب في انعكاس منحنى العائد. فعندما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، فقد تسبب في زيادة أسعار الفائدة قصيرة الأجل أكثر من أسعار الفائدة طويلة الأجل، فأصبح منحنى العائد معكوساً.


تاريخياً، استجاب بنك الاحتياطي الفيدرالي لمنحنى العائد المقلوب من خلال تنفيذ سياسات تهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي وتقليل احتمالية حدوث ركود. وإحدى الطرق الأساسية التي يمكن أن يستجيب بها بنك الاحتياطي الفيدرالي هي خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل، إضافة الى تنفيذ برامج التيسير الكمي. أما عندما تكون معدلات التضخم مرتفعةً جدًا كما هو الحال الآن، ستعتمد الإجراءات المحددة التي يتخذها الفيدرالي على مجموعة من العوامل، بما في ذلك شدة التضخم والوضع الحالي للاقتصاد ومعدلات البطالة. لذا، يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى تقييم المخاطر والفوائد المحتملة لكل إجراء بعناية قبل اتخاذ القرار.  ومن الواضح أن الأولوية معطاة لمحاربة التضخم. ومع ذلك، فإن رفع أسعار الفائدة سيكون لها أيضًا آثار سلبية على الاقتصاد، مثل تقليل الإنفاق الاستهلاكي والتجاري وزيادة تكلفة الاقتراض. لذلك، يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يوازن بعناية جهوده لخفض التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي، وهذا ما لاحظناه عندما خفض  نسبة رفع الفائدة قبل فترة من مستويات 75 نقطة و 50 نقطة الى 25 نقطة فقط،  وما يخدمه في الاستمرار في عملية الرفع بنسب منخفضة هو انخفاض معدلات البطالة في أميركا. علاوة على ذلك، فأن رفع أسعار الفائدة قد يساعد أيضًا في تسطيح منحنى العائد flatten the yield curve، وهو أمر مهم للاستقرار المالي.


وفي حين أن هذه المؤشرات ليست مضمونة، إلا أنها يمكن أن تساعد المحللين على تحديد المخاطر المحتملة التي قد تؤدي إلى الركود التضخمي، كما يمكن لصانعي السياسات والمستثمرين اتخاذ التدابير المناسبة لمنع أو تخفيف آثار الركود التضخمي.

 

أخبار من نفس الفئة