المصارف الرقميه ،،، مستقبل القطاع المصرفي العراقي

15 تشرين الأول 2025
مقالات
مشاركة

د. نبيل رحيم العبادي

التحول الرقمي الحقيقي لا يبدأ بترميم القديم فقط، بل قد يقتضي أحياناً بناء جديد موازٍ. المصرف الرقمي ليس مجرد تطبيق على هاتف محمول، بل هو فلسفة عمل مختلفة تماماً

في خضم الضجَّة الإعلامية حول تلقّى البنك المركزي العراقي عشرات الطلبات لتأسيس مصارف رقمية، يطفو على السطح سؤال جوهري: أليس في هذا استعجال غير مبرر، بينما لا يزال القطاع المصرفي التقليدي يعاني من إشكاليات بنيوية عميقة؟ يبدو للبعض أن الإعلان عن هذه الخطوة يتناقض مع الواقع المؤلم لنظام مصرفي هشّ، لكن الحقيقة قد تكون أكثر تعقيداً من ذلك.

 

لا يمكن إنكار أن النقد الموجه لهذه الخطوة يحمل في طياته حقائق يصعب تجاوزها. فكيف يمكن الحديث عن تحول رقمي في بلد لا تزال التعاملات النقدية فيه تهيمن على المشهد؟ وكيف تُبنى مصارف افتراضية في بيئة تفتقر إلى البنية التشريعية والتقنية الداعمة؟ وأيّة ثقة يمكن أن يمنحها مواطن عادي من تعثر الأنظمة الإلكترونية وغياب الحماية القانونية لمعاملاته؟

 

إلا أن النظر إلى المصارف الرقمية على أنها ترف فكري أو محض تقليد أعمى للنماذج الخليجية يغفل حقيقة أساسية: أحياناً يكون الخروج من الأزمة requires كسر حلقتها المفرغة. فالمصارف التقليدية العاجزة عن استقطاب أكثر من سبعين بالمئة من العراقيين إلى القطاع المصرفي الرسمي، لن تكون هي ذاتها قادرة على قيادة عملية التحول الرقمي. هنا بالضبط قد تكمن الحكمة من استحداث نموذج جديد، يبدأ من الصفر، بمعايير عالمية وآليات عمل مرنة.

 

التحول الرقمي الحقيقي لا يبدأ بترميم القديم فقط، بل قد يقتضي أحياناً بناء جديد موازٍ. المصرف الرقمي ليس مجرد تطبيق على هاتف محمول، بل هو فلسفة عمل مختلفة تماماً. إنه يستهدف بالضبط أولئك الذين هُمشوا لعقود من قبل النظام التقليدي: الشباب، صغار التجار، وأصحاب الدخل المحدود. إنه يخاطبهم بلغة العصر، ويقدم لهم خدمات منخفضة التكلفة، متجاوزاً عقبة البنى التحتية المكلفة وتعقيدات البيروقراطية.

 

صحيح أن البيئة التشريعية لا تزال بحاجة إلى تطوير عاجل، لكن القانون غالباً ما يتطور استجابة لمتطلبات الممارسة العملية. إن ولوج هذه المصارف سيكون دافعاً قوياً لتسريع إصدار قوانين حماية البيانات والمعاملات الإلكترونية، لأنه سيخلق ضرورة ملحة لا مفر منها.

 

إن الاستعانة ببيوت الخبرة الدولية ليست تنازلاً عن الرؤية المحلية، بل هي ضمانة لموضوعية المعايير ونزاهة عملية منح التراخيص. الفيصل ليس في عدد الطلبات المقدمة، بل في قدرة البنك المركزي على فرزها، واختيار الأكثر جدارة والتزاماً، وربط الترخيص بخطة زمنية واضحة تشمل تعزيز التشغيل البيني بين الأنظمة، وحملات توعية للمواطن، وإصلاح تشريعي مواز.

 

في النهاية، العبرة ليست باللافتة الرقمية التي نرفعها، بل بقدرتنا على تحويل هذا المسار إلى جسر حقيقي يصل بين المواطن والاقتصاد الرسمي. المصارف الرقمية ليست بديلاً عن الإصلاح الشامل، لكنها قد تكون القاطرة التي تجره إلى الأمام. النجاح مرهون بجعل هذه التقنية أداة لخدمة الإنسان، وليس مجرد واجهة تجميلية لواقع لا نريد تغييره.  

 

آخر الأخبار

جيتكس جلوبال 2025 يفتتح نسخته الاستثنائية الـ 45: توحيد صنّاع السياسات وروّاد الذكاء الاصطناعي والشركات لبناء اقتصاد الذكاء الإمارات سوق التأمين العراقي يختار المملكة الأردنية الهاشمية لعقد ورشة عمل متكاملة ومكثفة في التأمين التكافلي لعدد من المؤسسات العراقية وشركات التأمين الحكومية الأردن تحت شعار أمن الأول مش هتبدأ من الأول.. الهيئة العامة للرقابة المالية بالتعاون مع اتحاد شركات التأمين المصرية وصندوق حملة وثائق التأمين يطلقوا حملة قومية موسعة لنشر الوعي التأميني وتعزيز الشمول المالي مصر نيويورك تحتضن اكبر مؤتمر لاتحاد المصارف العربية في ١٠ أكتوبر المقبل متفرّقات مصرف المزارع التجاري يوقّع اتفاقية تعاون استراتيجية مع شركة نهضة السودان لجنة التعويضات العامة باتحاد شركات التأمين المصرية تنظم ورشة عمل متخصصة حول التعويضات المعقدة فى تأمينات الممتلكات والمسؤوليات (P&C Complex Claims) مصر جابر افتتح أعمال منتدى اتحاد المصارف العربية: الودائع حق لأصحابها ولبنان يخط طريقه للتعافي من أزماته متفرّقات البنك الأهلي اليمني يحصد الصدارة محلياً ويتقدم عالمياً اليمن

أخبار من نفس الفئة