إستراتيجية متكاملة إعادة بناء القطاع المصرفي العراقي
د. نبيل رحيم العبادي شهدت العاصمة بغداد أخيراً لقاءً نوعياً جمع معالي محافظ البنك المركزي العراقي، السيد علي محسن العلاق، مع نخبة من الخبراء والمختصين في القطاع المالي، حيث قدم عرضاً شاملاً لمسار الإصلاحات المصرفية والخطط الهيكلية المقبلة. هذا اللقاء، الذي مثل منصة حوارية مهمة، كشف عن رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة بناء القطاع المصرفي .
أكد معالي المحافظ أن إعادة بناء القطاع المصرفي تمثل الركيزة الأساسية لعمل البنك المركزي في المرحلة الحالية. هذا التوجه يأتي في إطار رؤية شاملة لتعزيز الشمول المالي وبناء نظام مصرفي قادر على دعم النمو الاقتصادي المستدام، وهو ما يتوافق مع التوجهات العالمية في تعزيز استقرار الأنظمة المالية.
من النقاط البارزة في اللقاء الإفصاح عن أن التعاقد مع شركة أوليفر وايمن العالمية جاء استجابة للحاجة الملحة لإصلاحات عميقة وشاملة، خاصة بعد الحرمان من التعامل بالدولار المفروض على عدد من المصارف العراقية. هذه الشراكة تهدف إلى ضمان التزام المؤسسات المصرفية بالمعايير الدولية، مع الإشارة إلى وجود تطمينات بعودة تلك المصارف إلى التعامل الطبيعي بعد استكمال مراحل الإصلاح المطلوبة.
أعلن محافظ البنك المركزي أن جميع المصارف العراقية قد وقعت وثيقة الإصلاح، وهو إنجاز مهم يعكس إرادة القطاع المصرفي بالكامل في التوجه نحو الإصلاح. كما أكد أن المصارف الملتزمة ستتمتع بإمكانية التعامل بعملات أخرى وفق خطوات تدريجية، مما يوفر حوافز إيجابية للالتزام بمعايير الشفافية والحوكمة.
أشار معالي المحافظ إلى أن الجهات الدولية تتابع عن قرب تقدم العمل بملف الإصلاح المصرفي، وهو ما يؤكد أهمية هذا الملف ليس على المستوى المحلي فحسب، بل أيضاً في تعزيز ثقة المجتمع الدولي بالنظام المالي العراقي، وهو أمر حيوي لاندماج الاقتصاد العراقي في الأسواق العالمية.
فيما يخص التحول الرقمي، أكد المحافظ أن مشروع الدينار الرقمي قيد التنفيذ، مع الإشارة إلى أن إطلاقه يتطلب وقتاً وبنية تحتية متكاملة لضمان نجاحه. هذا المشروع الطموح يعد خطوة مهمة نحو تحديث النظام المالي وتعزيز الشمول المالي في العراق. كما اكد معاليه ان البنك المركزي العراقي يمضى و بخطى متقدمه باصدار رخص لمجموعة من المصارف الرقميه العراقيه و وفق الضوابط المحدثه و بإشراف شركه تدقيق عالميه و ان مجلس اداره البنك المركزي سيقوم باصدار هذه الرخص خلال فتره قريبه جدا .
جدد معالي المحافظ تأكيده على أهمية الحفاظ على الاستقرار العام للأسعار من خلال ضبط التضخم عند مستويات منخفضة، معتبراً ثبات سعر الصرف الرسمي "نجاحاً كبيراً للسياسة النقدية". وحذر من أن تخفيض سعر صرف الدينار له تداعيات سلبية على الاستقرار الاقتصادي ويضر بشرائح واسعة من المواطنين ذوي الدخل المحدود، ويضعف الثقة بالعملة الوطنية.
قدم المحافظ رؤية متكاملة تؤكد على ضرورة تجنب استخدام سعر الصرف كأداة لمعالجة العجز البنيوي، مشيراً إلى أن معالجة هذا العجز تحتاج إلى إصلاحات هيكلية تهدف إلى:
· تعظيم الإيرادات المحلية باستغلال الفرص الواسعة والضائعة
· ضبط النفقات الحكومية
· تنويع الاقتصاد العراقي
· دعم توجهات الحكومة في الإصلاح الاقتصادي الشامل
هذا اللقاء يمثل علامة فارقة في مسار الإصلاح المالي والمصرفي في العراق. الرؤية التي قدمها محافظ البنك المركزي تعكس فهماً عميقاً للتحديات ووضوحاً في الأهداف وآليات التنفيذ. التركيز على المعايير الدولية، والشفافية، والتحول الرقمي، واستقرار سعر الصرف، والإصلاح الهيكلي - كلها عناصر تتكامل لتشكل خريطة طريق لبناء نظام مالي قادر على دعم الاقتصاد العراقي في مرحلة إعادة الإعمار والتنمية المستدامة.
النجاح في تنفيذ هذه الرؤية سيعتمد على استمرار التنسيق بين البنك المركزي والمصارف والمؤسسات الحكومية والجهات الدولية، مع الحفاظ على الإرادة السياسية الداعمة للإصلاح. الطريق قد يكون طويلاً، لكن اللبنات الأولى وضعت، والمستقبل الواعد للنظام المالي العراقي يبدأ من هنا.

